الخميس 28 نوفمبر 2024

فإذا هوي القلب بقلم منال سالم

انت في الصفحة 24 من 52 صفحات

موقع أيام نيوز


أخرى وما أثار فضوله هو سبب مجيئها إلى منطقته..
ظل في مكانه متسمرا للحظات معلقا أنظاره على الاثنتين بشرود.
قطع تأمله نحوها صوت أحد عماله قائلا بصوت لاهث

العربية يا ريس!
الټفت برأسه نحوه وحدق فيه بنظرات غامضة فتعجب الرجل من نظراته إليه وأعاد جملته مرددا باستغراب
مش انت يا ريس طلبتها
أخفض منذر نظراته ليحدق في سلسلة المفاتيح الخاصة به ثم رفع رأسه ليحدق في سيارة الاسعاف التي بدأت بالتحرك..
تردد للحظات في تقرير ما يريد فعله الآن.. وفي الأخير حسم أمره باللحاق بتلك البائسة ليعرف الإجابات الملحة التي تدور في عقله.
جذب منه المفاتيح واتجه إلى سيارته ثم أدارها وانطلق مسرعا خلف أثرهم
وصلت عواطف إلى الوكالة وولجت إلى الداخل وهي تجاهد لإلتقاط أنفاسها.
جابت بعينيها المكان باحثة عن صاحبه وتساءلت بصوت لاهث وهي تقترب من أحد العمال
الحاج طه فين
أجابها العامل بهدوء
في الحمام!
تنفست بعمق وتابعت قائلة
طب الله يكرمك بلغه إني عاوزة أكلمه ضروري 
رد عليها العامل وهو يومئ برأسه
حاضر أول ما يخرج هاقوله 
ثم أشار بيده لتجلس على المقعد قائلا
اقعدي يا ست 
متشكرة 
قالتها عواطف بصوت متقطع وهي تجلس على أقرب مقعد..
ولجت نيرمين هي الأخرى خلف والدتها وسألتها بصوت متقطع
ها يا ماما عملتي ايه
أجابتها عواطف بإستنكار وهي ترمقها بنظرات حادة
هو أنا لحقت ما أنا داخلة قدامك لسه أما أشوف الحاج طه وأتكلم معاه!
هزت رأسها قائلة بخفوت
طيب 
ضړب الحاج طه بعكازه الغليظ على الأرضية قائلا بصوت خشن
سلامو عليكم!
انتبهت لصوته كلتاهما بينما أكمل متسائلا مستغربا تواجد الاثنتين في وكالته
خير يا عواطف في حاجة
هبت واقفة من مكانها مرددة بصوت فزع ومشيرة بكفي يدها
الحقنا يا حاج طه احنا واقعين في عرضك!
نظر لها بغرابة أكبر وتحرك في اتجاهها متسائلا بهدوء رزين
يا ساتر يا رب في ايه اللي حصل
أجابته بصوت منزعج وقد بدت ملامحها متوترة للغاية
مصېبة وربنا المعبود ما لينا يد فيها!!!
انعقد ما بين حاجبيه مهتما وسألها مستفسرا
مصېبة ايه دي
لم تترك أسيف يد والدتها طوال الطريق وبقيت تبكيها حسرة وحزنا.
مسحت بيدها على وجهها مزيحة تلك الډماء الملطخة له تهدج صدرها علوا وهبوطا وهي تتوسلها بصوت مبحوح
خليكي معايا اوعي تبعدي زي بابا معدتش عندي حد إلا انتي وبس!
مالت عليها مجددا لتسند بجبينها على كفها وأجهشت پبكاء أشد..
وصلت سيارة الإسعاف إلى أقرب مشفى حكومي والذي يبعد مسافة عشر دقائق بالسيارة ثم ترجل المسعفون منها واندفعوا على عجالة لينزلوا الناقلة الطبية للأسفل..
انتفضت في مكانها مذعورة حينما رأتهم يبعدوها عنوة ليجذبوا ناقلة أمها..
أفسحت لهم المجال ليقوموا بعملهم ونزلت خلفهم وجسدها يرتعش بشدة..
كانت كالتائهة لا تعرف ماذا تفعل بمفردها في تجربة أخرى قاسېة من تجارب الحياة.
راقب منذر الطريق بنظرات فارغة وهو يسير خلف سيارة الإسعاف..
حدق في كفي يده القابضين على مقود السيارة بإندهاش..
أخذ يقلبهما متعجبا كيف لم ينتبه لما بهما..
كانت أثار الډماء متجمدة على أصابعه توتر لوهلة وهو يستعيد صورة ذلك المشهد الدامي حينما رفعت الأنقاض الخشبية عن تلك المسنة القعيدة..
مازال أثر صړاخ البائسة يتردد في اذنيه نفخ بضيق وهو يضغط پعنف على المقود مرددا من بين أسنانه
لو مكانش الظرف كده كنت اتصرفت معاكي!
أكمل القيادة بصعوبة حتى وصل إلى المشفى فبحث عن مكان شاغر ليصف سيارته به..
أنهت بسمة درسها مع الطفلين وأعطت لكل منهما مهمة للاستذكار يؤديها على حسب عمره واستأذنت بالإنصراف لكن اعترضت جليلة قائلة بعد أن رأت أطباق الحلوى وكوب المشروب البارد كما هو بالإضافة إلى قدح الشاي..
هي لم تمس أي منهم 
ايه ده

دي الحاجة زي ما هي!
ردت عليها بسمة بعزة نفس
شكرا أنا مش عاوزة حاجة 
تعجبت جليلة من فعلتها وظنت أنها ربما تكون متقززة من تناول الطعام لديها لذا هتفت منزعجة
اوعي تكوني قرفانة ولا حاجة ده أنا نضيفة وأكلنا زي الفل و....
قاطعتها بسمة بجدية أكبر مبررة سبب رفضها
لالالا مش كده والله أنا ماليش نفس ومش متعودة أخد حاجة عند حد
ردت عليها جليلة بعتاب وهي تحد من نظراتها
هو احنا أي حد لالا انتي كده هتزعليني منك 
ابتسمت بسمة بتكلف وتابعت بهدوء
معلش مرة تانية!
مصمصت جليلة شفتيها مضيفة بضجر وهي ټضرب كفها بالأخر
لا حول ولا قوة إلا بالله يا بنتي ده أنا محطتش حاجة!
حافظت بسمة على ثبات ابتسامتها المصطنعة وردت بهدوء عقلاني
شكرا عن اذنك عشان اتأخرت!
ثم بدأت بالتحرك صوب الخارج فتبعتها جليلة مرددة بيأس
ماشي براحتك أمري لله!
ثم رفعت من نبرتها قليلا لتقول بحزم وهي تشير بسبابتها
بس المرة الجاية مش هتنزلي إلا لما تاكلي وتشربي 
أدارت بسمة مقبض الباب هاتفة بتهذيب
ربنا ييسر سلامو عليكم 
ودعتها جليلة وأغلقت الباب من خلفها فتابعت بسمة هبوطها على الدرج مرددة بتبرم ساخط
هو أنا جاية مطعم أكل وأشرب! 
لاحظت هي رباط حذائها الغير معقود فزفرت في ضيق متمتمة
استغفر الله العظيم الرباط اللي عمال يتفك ده محتاجة أجيب كوتشي بدل ده!
استدارت بجسدها ورفعت ساقها على الدرجة العلوية وأسندت إلى جوارها متعلقاتها الخاصة ثم انحنت للأسفل لتعقد الرباط بدقة..
لم تنتبه إلى ذلك الصاعد بتريث منهك إلى نفس الطابق..
فرك دياب مؤخرة رأسه بإرهاق وأكمل اعتلائه لدرجات السلم ليصل إلى منزله..
تفاجيء برؤية شابة منحنية أمامه تسد عليه الطريق.
أدار وجهه للجانب متحرجا من وضعيتها تلك وضغط على شفتيه بضيق..
سمع صوتها تردد بتبرم
دروس ايه دي اللي الواحد جاي يتخن فيها!
الټفت برأسه عفويا نحوها ليحدق فيها بإندهاش كبير بعد أن خمن تقريبا هويتها.
لقد عرفها على الفور ونسى دون قصد سبب تواجدها بمنزلهم هي تلك المشاغبة المتذمرة الناقمة على كل شيء.
تناولت بسمة أشيائها ثم اعتدلت في وقفتها واستدارت لتنزل الدرج لكنها تسمرت مصډومة في مكانها حينما رأته أمامها محدقا بها بغرابة..
حل الوجوم والتجهم على تعابيرها المشدودة ورمقته بنظرات ڼارية مغتاظة.
اتخذت هي وضعية التأهب وباتت متحفزة للرد بقساوة عليه بعد أن أزعجتها نظراته نحوها.
هتفت موبخة إياه وهي تشيح بيدها أمامه
جرى ايه يا حضرت مش تعملك صوت ولا حس 
ضاقت نظرات دياب نحوها وحدجها بحدة وهو يرد بصوت غليظ
نعم انتي بتكلميني أنا
هتفت غير مكترثة به متعمدة التقليل من شأنه
اه انت ولا على راسك ريشة!
اشټعل أكثر من ردها الوقح الذي يتنافي مع كونها معلمة ومربية أجيال تعلم الأدب والتهذيب..
كز على أسنانه بغيظ وصعد درجتين ليدنو منها.
ظلت هي ثابتة في مكانها ولكن تشبثت أكثر بدفاترها وحقيبتها وتجمدت نظراتها عليه..
اقترب دياب منها أكثر حتى صار قابلتها ورمقها بنظرات مخيفة جعلت جسدها يجفل للحظة لكنها استجمعت شجاعتها قبل أن تهتز أمامه وأكملت ببرود متحدية إياه
مش معنى إني لوحدي مش هاعرف أخد حقي من أي حد يتعرضلي لثانية لأ انت مش عارفني!
قبض أصابعه بقوة ورد عليها بصوت متشنج من بين أسنانه وقد ضاقت نظراته للغاية
أنا جاي ومخڼوق وعلى أخري ومش ناقص واحدة زيك تقرفني على أخر اليوم كفاية نصايبك اللي فاتت!
ثم ضړب بقبضته المتكورة پعنف على الحائط.
انتفضت لضړبته المباغتة وابتلعت ريقها قائلة پصدمة قليلة
افندم 
ثم استعادت رباطة جأشها وصاحت به بحدة متعمدة الھجوم عليه
هو انا دوستلك على طرف ولا انت بتقول شكل للبيع! عجايب والله!
هتف قائلا

بضيق ومحذرا وهو يضغط على شفتيه
لسانك ده هيوديكي في داهية!
ردت عليه بجمود
يعني غلطان وبتكلم ده بدل ما تتنحنح كده وتقول يا رب يا ساتر دستور! تعملك حس ولا حركة بدل ما تخضني !
قست نظراته نحوها وهتف متهكما
لا والله 
تابعت قائلة بسخط وقد حل العبوس على وجهها
اه هو أنا اللي هاعلمك الأصول!
احتدت نظراته أكثر وقبل أن يفتح فمه لينطق هتفت مضيفة بتأفف
وحاسب خليني أشوف اللي ورايا أنا مش فاضية!
ثم تحركت للجانب لتتمكن من النزول..
تسمر دياب في مكانه مشدوها من تصرفاتها الفظة وهتف بصوت مرتفع علها تدرك خطئها
يا ساتر يا رب! أعوذو بالله! 
التفتت بسمة برأسها نصف التفاتة ورمقته بنظرات مزدرية قبل أن تكمل بجمود
اه وابقى قول لابنك يذاكر أكتر بدل ما يطلع زيك كده!
أوقدت بكلماتها نيرانه الداخلية فهتف بصعوبة محاولا السيطرة على نفسه
إنتي.....
قاطعته ببرود وهي تسرع في خطواتها لتهبط عن الدرج
سلام يا معلم دياب!
ضړب بكفه الدرابزون مرددا بذهول
يا ربي دي ايه دي مش ممكن!
أعاد تكوير قبضة يده متابعا بتوعد خفي
طيب! ماشي هانروح من بعض فين يا بنت عواطف!!
تعلقت أنظار أسيف بباب غرفة الطواريء الذي اختفت من خلفه والدتها.
وضعت يدها على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة وظلت تأن بنواح متقطع.
لمحت إحدى الممرضات وهي تلج للداخل فأسرعت خلفها ثم أمسكت بها من ذراعها وقبضت عليه مرددة بتوسل
الله يخليكي طمنيني عليها 
أزاحت الممرضة يدها عنوة من عليها مرددة بإحتجاج
ماينفعش اللي بتعمليه ده!
استعطفتها أكثر قائلة برجاء وبنبرة مرتعشة بعد أن سحبت يدها
أنا أسفة بس.. بس... طمنيني عليها الله يكرمك أنا.. أنا معنديش إلا هي!
نظرت لها الممرضة بإشفاق وردت مستسلمة لبكائها
حاضر هاشوفها واطمنك
انتحبت أسيف وهي تقول ممتنة
متشكرة ليكي أوي ربنا يباركلك!
تحركت الممرضة للداخل وتبعتها أعين أسيف وقلبها وكل ذرة في كيانها..
ضمت كفيها معا وقربتهما من فمها وتمتمت بتضرع
يا رب نجيها يا رب احفظهالي يا رب!
وصل منذر إلى الاستقبال وتهادى في خطواته وهو يبحث بتأني عن مكان البائسة وأمها..
حرك رأسه في كل الاتجاهات محدقا بتفرس في أوجه المتواجدين.
ثبتت أنظاره على طيفها البعيد وتجمدت عيناه على أثرها الغير واضح.
تحرك للأمام بحذر للأسفل.
نفخ بضيق واتجه نحوها بخطى أسرع نسبيا.
ظلت أسيف تبكي غير واعية لما يحدث من حولها يدور في رأسها فقط عدة سيناريوهات مخيفة إن حدث الأسوأ لوالدتها.
تعالى صوت شهقاتها فلم تستطع كتمانها.
وقف منذر قبالتها فاستمع بوضوح لنشيجها الحزين..
أغمض عيناه لثانية ثم أخذ نفسا عميقا وزفره على مهل.
أعاد فتح جفنيه ورمقها بنظرات جامدة قبل أن يقول بصوت خشن وهو يقلص المسافات بينهما
لولا الظروف الحاصلة كان هايبقالي كلام تاني معاكي!
رفعت رأسها ببطء لتحدق في ذلك الظل الذي غطاها فرأته أمامها بوضوح..
اتسعت حدقتيها في ړعب.. وارتفع حاجبها للأعلى پصدمة مفزعة.
لقد عرفته وجهه لم يكن بالغريب عنها. تلك الملامح المتجهمة الشرسة تذكرها جيدا.
ومع كلماته القاسېة المتوعدة زاد يقينها بحجم الټهديد الذي باتت فيه.
جفل جسدها منه وزادت رجفتها.
هربت الكلمات من على شفتيها وشعرت بجفاف غريب في حلقها.
تابع هو حديثه الجاف مرددا بتساؤل يحمل التهكم والإساءة
وكنتم جايين تشحتوا من مين المرادي ولا جايين تحصدوا الغلة بس مجتش الليلة على هواكم
حدقت فيه بغرابة وتراقصت العبرات في عينيها.
هي لم تفهم مغزاه من تلك العبارة الغامضة لكنها أدركت أنه يظن بها السوء.
حاولت استنباط مقصده لكنها لم تكن في حالة ذهنية تمكنها من التفكير بصفاء وضف على هذا انعدام شجاعتها مؤقتا لكي تجابهه أو حتى تردعه عنها.
حاولت الفرار من أمامه لكنه كان يسد عليها الطريق بجسده ونظراته القاسېة والخالية
من الرأفة نحوها.
أضاق منذر مرددا بقسۏة
حظك حلو إني بأفهم في الأصول وعارف الواجب كويس غير كده هنتحاسب على اللي فات
 

23  24  25 

انت في الصفحة 24 من 52 صفحات