الخميس 28 نوفمبر 2024

فإذا هوي القلب بقلم منال سالم

انت في الصفحة 27 من 52 صفحات

موقع أيام نيوز


يا أبا خير في حاجة
أجابه طه بصوت حاد ومزعوج
لم الرجالة وتعالى بسرعة على مشتشفا ... أخوك بيضارب هناك!
صاح دياب مذهولا وبحزم

منذر جايلك طوالي أنا والرجالة!
وبالفعل لم ېكذب دياب خبرا حيث بدل ثيابه المنزلية بأخرى وهو يركض بلهفة نحو الخارج وهاتفا أحد رجال وكالتهم ليأمره بجمع أكبر قدر من رجاله عند المشفى الحكومي.
وربنا لأندمك على كلامك!
صاحت أسيف والممرضات عاليا بصړاخ مړعوپ حينما رأين ذلك المفرط ڼصب أعينهن.
صړخ البلطجي بصعوبة من بين شفتيه الملتصقتين بالأرضية
أنا ماليش دعوة أنا جاي مع سيدنا ناخد بتار ابنه!
رد عليه منذر بصوت متوعد وهو يضغط أكثر على فقرات ظهره مسببا له الألم الموجع
غلطت لما جيت تاخده مني ومن اللي يخصني!
يخصني أثارت تلك الكلمة حفيظة أسيف هي ليست تابعة له ولا علاقة لها به من قريب أو بعيد ليردد هذا بثقة. لذا من أين اكتسب هذا اليقين مجرد صدف متتالية جمعتهما سويا ومواقف عصيبة فرضت عليهما ليكونا معا فكيف يجزم أمرا كهذا وكأنه يعرفها منذ زمن وهناك روابط وصلات عميقة بينهما.
على الجانب الأخر وقفت عواطف إلى جوار ابنتها في الخلفية لاعنة الحظ العثر الذي يلحق بعائلتها والنحس الملازم لها فلم تكد تخرج من مصېبة حتى تلحق بها الأخرى.
هتفت نيرمين بجزع
شكلها هتولع على الأخر لو ابن الحاج طه جراله حاجة جوا 
ردت عليها بتذمر
كنا ناقصين ده كمان مش كفاية مرات المرحوم وبنته اللي مش عارفين عنهم حاجة!
حركت نيرمين فمها للجانبين قائلة بتخوف
ربنا يسترها معاهم كلهم
يا رب أمين !
كذلك تجمع العشرات من رجال الحاج طه ومحبيه حول المشفى محملين بالعصي الغليظة والجنازير والأسلحة البيضاء وعلى رأسهم دياب من أجل التدخل والاشتباك مع عصبة ذلك البلطجي.
صاح دياب بصوت جهوري في رجاله
لو شعرة واحدة اتمست من أخويا هتتحاسبوا انتو!
رد عليه أحدهم بجدية
اطمن يا سي دياب الريس منذر هيطلع منها بخير 
وأضاف أخر بصوت مرتفع ومتحمس
وراك رجالة يا حاج طه 
استنفر الجميع وتأهبوا للهجوم فورا على المشفى..
وقبل أن ينطلقوا نحو مدخل المشفى كانت سيارات الشرطة تطوق المكان.
ترجل أحد الضباط من إحدى السيارات صائحا بصوت آمر

 

اللي بيحصل هنا هي مش فوضى!
رد عليه دياب بغلظة
أنا مش هاستنى لما ألاقي أخويا جوا وأنا واقف برا بتفرج عليه 
نهره الضابط مرددا بحزم صارم
احنا هنتصرف بالقانون اتفضل خد رجالتك وابعد وإلا هاقبض عليكم كلكم!
هنا تدخل الحاج طه مانعا ابنه من التهور قائلا بحذر
استنى يا دياب نشوف البيه هايعمل ايه 
اعترض دياب قائلا بصوت مهتاج
يا أبا....
حدجه بنظرات حادة للغاية تحمل الصرامة وهو يردد مقاطعا إياه بإيجاز حاسم
دياب! هي كلمة!
على مضض كبير وبصعوبة بالغة اضطر دياب أن يرضخ لأمر أبيه وتراجع عدة خطوات للخلف ليبقى إلى جوار رجاله.
واصلت عواطف دعواتها الخفية لعل الله يستجيب لها ولا يحدث الأسوأ.
وبالطبع لم يتوقف هو عن ركله ولكزه وإيلامه كنوع من التعنيف القاسې لتجرأه على شخصه.
هتفت إحداهن ممتنة
كتر خيرك على اللي عملته امسكه كويس بس!
بينما أضافت أخرى بتوتر وهي تشير بيدها
اه احنا هنبلغ الأمن
وعلقت ثالثة بصوت متلهف شبه خائڤ
ايوه بسرعة يالا!
وزع منذر أنظاره عليهم مرددا بثقة مغترة
ماشي نادوا أي حد لو برا أنا مكتفه كويس!
ثم سلط أنظاره متعمدا على أسيف ليضيف بتباهي
المفروض متخافوش إنتو معاكو منذر حرب!
رمقته أسيف بنظرات غامضة ولم تعلق مثل الأخريات عليه فقد استشعرت غروره الواضح وتفاخره الزائد أمامها واكتفت بالتنحي في أقصى الزاوية بالغرفة.
وقفت أمام المرآة تطالع هيئتها المزرية فأخرجت من صدرها زفيرا منهكا.
لم تتوقع أن تمر بكل تلك الظروف العصيبة في وقت قصير.
أن تكون والدتها بين الحياة والمۏت وأن تصبح هي على شفا حفرة من المۏت بكت عفويا متأثرة بكل شيء.
هي أسيف مثلما أطلق عليها أبيها رقيقة القلب سريعة البكاء مدت يدها لتفتح الصنبور ونثرت المياه على وجهها ثم سحبت بعض المناشف الورقية لتجففه به حاولت أن تضبط أعصابها لتفكر بروية في فيما ستفعله.
رتبت أفكارها بتأن هي عليها أن تخرج من محبسها لتطمئن على حال أمها وبعدها تحضر الأموال المطلوبة لسداد قيمة فاتورة المشفى من الفندق ثم تبقى إلى جوار والدتها حتى تتماثل للشفاء.
رتب ضباط وأفراد الشرطة خطة سريعة وعاجلة لإقتحام المشفى وانقاذ من به.. وبالفعل بدأوا التنفيذ.. ودخلت مجموعات منظمة للإستقبال وتدريجيا سيطروا على الوضع الراهن وأمسكوا بمن تطاله أيديهم.
فلم تكن تلك العصبة بمحترفي الإجرام وإنما مجموعة منوعة ما بين الخارجين عن القانون أو المجاملين للبلطجي الغاضب. فاستطاعوا بحرفية إلقاء القبض على عدد كبير منهم.
وفي الأخير استسلم قائده يائسا بعد تنفيسه عن غضبه المشتعل وتم تكبيله بالقيود المعدنية واقتياده للخارج.
طال تفكير أسيف بداخل المرحاض حتى لم تعد شاعرة بالوقت لكنها انتفضت فزعة في مكانها حينما سمعت تلك الدقات القوية على الباب مصحوبة بصوت حاد وآجش
مش هاتفضلي حابسة نفسك جوا كتير اطلعي معدتش في حاجة تخوف! 
انزعجت من ظنه أنها تهابه لن تنكر أنها شعرت بهذا في البداية لكن مع الصدمات التي يمر بها الإنسان يتعود تدريجيا أن يكون أقوى ويتعلم كيفية البقاء وسط غابة الأشراس.
دق پعنف أكبر على الباب مرددا بصوت صارم
يالا يا بنت خورشيد!
أغضبتها طريقته المستفزة فاتجهت نحو باب المرحاض لتفتحه بحدة.
وجدته واقفا أمامها يحدجها بنظرات قاتمة فهتف فيها بضجر وهو عابس الوجه
المولد اتفض!
دققت النظر بعينيها للخارج فلم تر أي أحد بالغرفة. فتساءلت بإستغراب متقطع
اومال... اللي كان....
أجابها بنفاذ صبر
زمانت البوليس بيروق عليه!
تذكرت حال والدتها فجأة وأنها تناستها أكثر من اللازمفاتسعت عيناها بشدة ووضعت يدها على فمها كاتمة شهقتها ومرددة بصوت غير واضح
ماما!
اندفعت

للخارج دافعة منذر من كتفه بأقصى قوتها فحدجها بنظرات غريبة متعجبة من تبدل حالها في ثوان معدودة.
هرولت في الرواق باحثة عن أمها وهي تلوم وتوبخ نفسها بشدة لتقاعصها عن متابعتها شعرت أنها خذلتها لمجرد تفكيرها في نفسها نزلت إلى الاستقبال تفتش عمن يرشدها عنها.
تفاجأت بوجود حشد من رجال الشرطة بالمبنى.
وقعت عيناها على الممرضة التي أبلغتها بمليء الأوراق فركضت نحوها واقتربت منها ثم هتفت بصوت لاهث
لوسمحتي!
التفتت الممرضة نحوها ووقفت قبالتها متأملة إياها بنظرات منزعجة.
سألتها أسيف بتلهف
ماما متعرفيش حصلها ايه الحاجة حنان اللي كانت في الطواريء و.....
تذكرتها الممرضة على الفور فردت عليها باقتضاب
ايوه عارفاها 
سألتها أسيف مجددا بتخوف
هي عاملة ايه طمنيني الله يكرمك انا اتلبخت في الراجل اللي ھجم علينا و....
ردت عليها الممرضة مقاطعة بجمود
اه فاهمة هي عموما اتنقلت العناية المركزة وممنوعة من الزيارة بأوامر الدكتور 
تنفست أسيف الصعداء لعدم تدهور حالة والدتها وسألتها باستعطاف
طب مش هاعرف أشوفها عاوزة أطمن عليها الله يكرمك!
ردت عليها الممرضة بجفاء
ده اللي أعرفه عنها!
ثم أشارت بذراعيها في الهواء متابعة بضجر
وأكيد إنتي شايفة الوضع دلوقتي عامل ازاي كلنا بنحاول نشوف الأضرار اللي عملها البلطجي ده!
هزت رأسها بتفهم وقبل أن تنطق مجددا تركتها الممرضة وانصرفت.
وقفت أسيف في مكانها عاجزة عن التفكير بذهن صافي. فبالها أصبح مشغول كليا برؤية أمها.
هي اطمأنت على حالها إلى حد ما لكنها تتوق إلى رؤيتها بعينيها ليهدأ قلبها الملتاع عليها. 
لم يمض الكثير حتى ولج دياب وباقي رجاله للداخل لتفقد حال منذر بعد أن نفذ صبره.
لحق به والده وعواطف وابنتها كل يبحث عمن يخصه.
صاح دياب بصوت متحشرج
حصلك حاجة يا منذر قولي!
ثم دقق النظر فيه متفرسا تفاصيله ليتأكد من عدم إصابته بمكروه متابعا بحدة عصبية
انت كويس فيك حاجة حد اتعرضلك وربنا أعمل معاه الصح وادفنه هنا 
رمقه الضابط بازدراء قائلا بتحذير
هي مش فتونة يا اسمك ايه انت!
رد عليه دياب غير مكترث به
لا يا باشا ده أخويا يعني لحمي ودمي!
هتف منذر بصوت هاديء عقلاني
خلاص يا دياب متفردش دراعاتك على الحكومة الموضوع مش مستاهل!
ضغط دياب عى شفتيه بقوة وحدج الضابط بنظرات محتقنة للغاية ولم ينطق بالمزيد.
بحثت عواطف عن ابنة أخيها وسط الحضور تلك الصغيرة التي لم ترها من قبل ظلت تتخيل شكلها ومن تشبه لكنها لم تتوقع أن تلقاها في ظرف كهذا.
اقتربت من منذر وسألته بصوت متلهف وعيناها تدوران بحيرة وخوف في أرجاء المكان
فين بنت أخويا هي.. هي مش كانت معاك
الټفت هو نحوها ونظر لها بوجه خال من التعابير مجيبا إياها باقتضاب ومشيرا بعينين جامدتين
أعدة هناك!
استدارت بجسدها إلى حيث أشار فاضطربت أنفاسها وتوترت دقات قلبها أكثر وهي تمعن النظر في تلك الجالسة على المقعد المعدني المنزوي.
توقفت نيرمين في مكانها مترددة فيما تفعله وفضلت أن تتابع المشهد من بعيد وألا تتدخل فيه وراقبت بفضول ردة فعل والدتها مع ابنة خالها.
شعرت عواطف بالارتباك والخۏف وهي تقترب منها رويدا رويدا..
حاولت أن تتفرس في وجهها لترى ملامحها بوضوح.
رأت تلك اللمحات الحزينة الطافية على قسمات وجهها المجهد وذلك العبوس الجلي المعبر عن حالها.
ظلت تدنو منها بتمهل دارسة لكل شيء فيها.
تمنت لو كانت تجمع سمات أبيها الراحل فتعوض عن غيابه بوجودها حية معها وفي وسطهم وقفت قبالتها وعمقت نظراتها إليها
هتفت بلا وعي وبصوت يمزج بين الفرح والبكاء
آ.. أسيف!
كانت الأخيرة شاردة في عالم أخر خاص بها لم تستطع الانصراف دون رؤية والدتها أولا فأثرت البقاء حتى تطمئن عليها بنفسها.
لم تشعر بنفسها وهي تبكي في صمت متحسرة عليها.
ظلت تدعو الله بتضرع بقلبها لعله يهون عليها وينجيها مما هي فيه.
انتبهت إلى صوت تلك السيدة المنادية بإسمها فرفعت رأسها في اتجاهها ونظرت نحوها بغرابة بأعينها الدامعة.
أكملت عواطف قائلة بصوت خفيض وحاني وهي تطالعها بنظراتها الدافئة
أنا عمتك عواطف يا بنت أخويا الغالي ...!!!
الفصل السادس عشر
ضجرت بسمة من الانتظار أمام الحاجز المعدني وتلفتت حولها بإستياء محاولة التفكير في وسيلة تمكنها من الصعود لمنزلها.
كان الأمر شبه مستحيل بسبب الحصار الأمني حول البناية بسبب حاډث إصابة تلك السيدة مجهولة الهوية في الأخير اضطرت أن تذهب إلى حديقة قريبة من منطقتهم الشعبية لتمكث بها.
وطوال تلك المدة حاولت مهاتفة أمها وأختها ولكن دون جدوى رنين متواصل ولا إجابة على الإطلاق.
زفرت لأكثر من مرة مرددة بيأس لنفسها
عيلة مامنهاش أمل خالص كل ما أعوز حد فيهم يختفوا هافضل أنا كده مقضياها في الشارع!
نفخت بصوت مسموع متابعة حديث نفسها وهي تدور بعينيها ببطء على ما حولها
استغفر الله العظيم كله بسبب أر الجزار الفقر ده! عينه مش رحماني!
لمحت أحد الباعة الجائلين المتخصصين في بيع الحلوى منزلية الصنع فنهضت من مقعدها وهتفت فيه بصوت مرتفع
انت يا عم! استنى!
توجهت نحوه وتفقدت بنظرات ثاقبة متفحصة ما معه لتشتري المناسب لها لتسد جوع معدتها الخاوية.
عاودت الجلوس على مقعدها وقضمت قطعة كبيرة من الحلوى متناولة إياها بشراهة ولم تتوقف عن محاولة الاتصال بعائلتها.
وصلت أخبار الحاډثة الغريبة إلى مسامع الحاج
 

26  27  28 

انت في الصفحة 27 من 52 صفحات