ظنها دميه بين اصابعه بقلم سهام صادق
بل جلس صامتا وقد ازداد توتر العم سعيد عندما وجده ينظر بنظرة ثاقبة نحو طاولة مكتبه وينقر عليها بإصبعه.
_ أنا قولتلها أنك اتسرعتي...مكنش المفروض تتدخل في الأمر وتوعد إنها تساعده...
تراجع العم سعيد بخطواته للوراء واستطرد قائلا.
_ اعتبرني مقولتش ليك حاجه يا بيه.
_ نادي على ليلى يا راجل يا طيب وخليها تيجي تفهمني حكاية العامل... أنت عارفني مبحبش قطع أرزاق حد مادام الحاجة مش مستاهله ونقدر نعديها.
_ أنا قولتلها عزيز بيه مبيحبش قطع الأرزاق... اشرب كوباية اللبن على ما أنده عليها من المطبخ.
ابتسم عزيز وهو يرى العم سعيد يغادر الغرفة لكن تلاشت ابتسامته عندما عاد حديث العم سعيد يتردد داخل أذنيه.
شعور كان جديد عليه وعليه أن يثبت لنفسه سريعا أن تلك الفتاة التي تعيش داخل أسوار منزله ما هي إلا ابنة شقيق سائقه اليتيمة التي عليه ألا ينظر إليها إلا بنظرة تحمل العطف.
_ تعالي يا ليلى...عزيز بيه عايز يسمع منك موضوع العامل عشان يعرف يساعده ويرجعه المصنع.
أطرقت ليلى رأسها عندما صارت بمنتصف الغرفة ووقف جوارها العم سعيد يحثها على الحديث.
رفعت رأسها قليلا وسرعان ما أخفضتها وأخذت تفرك يديها بتوتر.
انتفض من مقعده كمن لدغته لدغة عقرب فاندهش العم سعيد وسرعان ما أدرك أن ليلى تقف صامته وعلى ما يبدو أن سيده قد ضجر من صمتها.
_ اتكلمي يا ليلى.
قالها العم سعيد بعدما زجرها بنظرة من عينه.
صوتها الخفيض تسلل داخله... أغمض عيناه ثم فتحهما واستدار جهتها وقد توقفت عن الكلام بعدما سردت له كل شئ.
_ اسمه إيه المشرف المسئول عن العامل.
تساءل عزيز بنبرة جامده جعلتها تعود لخفض رأسها على الفور.
_ اسمه.. أستاذ أحمد.
أماء عزيز برأسه ثم تساءل مجددا عن اسم العامل.
_ تمام.
تمتم بها عزيز ثم عاد لجلوسه والتقط بضعة أوراق وقام بترتيبها ووضعها بمغلف.
ابتسم العم سعيد فهو أكثر الناس دراية بسيده...
_ يلا يا ليلى...عزيز بيه خلاص هيهتم بالموضوع.
تعلقت عينين ليلى بالعم سعيد فالسيد عزيز لم ينطق إلا بضعة كلمات مقتضبه وقد أصاب التجهم وجهه منذ لحظة وجودها بغرفة مكتبه.
غادرت ليلى واتبعها العم سعيد بعدما أغلق الباب ورائه.
زفرة طويلة خرجت من شفتي عزيز لا يستوعب ما صار عليه في حضور تلك الفتاة.
ألقى الأوراق التي التقطها منذ لحظات على طاولة مكتبه بإهمال ثم أعاد زفر أنفاسه بقوة.
مسح نائل شفتيه بالمحارم الورقية بعدما تناول وجبة فطوره فأسرعت زينب بحمل الصنية من أمامه واتجهت نحو المطبخ لتضعها به ثم عادت إليه بحبة الدواء وكأس الماء.
قالتها وهي تلتقط منه كأس الماء وكادت أن تغادر غرفته لتهرب من ذلك السؤال الذي يسأله لها منذ أيام.
_ مش هتروحي المدرسة.
توترت زينب من سؤاله فكل يوم تخبره بنفس الجواب وجدها
ليس بالرجل الذي تستطيع إخفاء شئ عليه.
_ أوعي تقوليلي إنك النهاردة كمان أجازة عشان تراعيني ومديرة المدرسة متفهمه الأمر...
فركت يديها وخرجت الكلمات منها بتقطع فها هي كذبه أخرى اختلقتها.
_ أصلهم قالولي لما نحتاجك هنطلبك...
هز نائل رأسه لها وقد تجلى الحزن في حدقتيه.
أرجع رأسه للوراء وأغلق جفنيه مداعيا حاجته للراحة.
_ اطفي نور الأوضه واقفلي الباب وراكي يا زينب.
حدقت زينب به بنظرة حزن وأسرعت بتنفيذ ما أمرها به.
أغلقت الباب ورائها لتطلق بعدها سراح دموعها.
لا حيلة لها في أمرها.
كتمت صوت بكائها بكف يدها و ابتعدت عن غرفة جدها بعدما طالعت باب الحجرة المغلق.
_ سامحني يا جدو... سامحني إني كذبت عليك.
قالتها وهي تستلقي على الفراش ودست رأسها أسفل وسادتها لتتمكن من البكاء.
استمرت عيني نائل عالقة بسقف غرفته وما زال حديث ابنه يتردد صداه داخل أذنيه...لا يصدق أن هشام صار بهذه القسۏة... لقد ظن أن الزمن طوى صفحات الماضي وغفر له أولاده خطأ وقع به عندما أطاع رغبة فؤاده.
تنهيدة طويلة خرجت منه لقد أحب زينب رغما عنه... أحب الفتاة المكافحة التي تسعى لمساعدة والدتها ليستطيعوا العيش...
_ حبيتك وخذلتك يا زينب... ولحد الآن بخذلك.
تمتم حديثه بمرارة وأغلق جفنيه ليستعيد تلك الذكريات التي جمعته بها...
رنين هاتفه الذي يضعه أسفل وسادته أخرجه من ذكرياته... ليسحبه من أسفل رأسه وسرعان ما كان يغلقه ويعيده أسفل وسادته مرة أخرى.
نظر هشام إلى هاتفه بعدما ألغى والده المكالمه أعاد الإتصال به ليجده أغلق هاتفه.
_ معقول تكون نطقت بكلمه...
أسرع بالتقاط هاتفه مرة أخرى وقد تجهمت ملامحه فوالده لا يجيب على مكالماته وإذا زاره يتعلل بالنوم ولا يحادثه.
نهض من مقعده وتحرك بغرفة مكتبه بضجر وعلى لسانه يتردد التوعد لها.
_ كل ده عشان تردي.
صاح بها هشام