نوفيلا
كانت حزينة مهمومة غادرت اللمعة عينيها ..
افتقد فكاهتها و مزاحها السخيف افتقد ضحكتها التي تفقده صوابه
كان يقف خلف باب غرفتها يراقبها بهدوء ممددة على الفراش و تتصل بها الإسلاك و المحاليل غاب عقله لذكرى سابقة حفرت داخل خلاياه ككل ذكرياته معها ..
كان بإحدى البارات يقض أوقاتا مملة في سبيل إنهاء يومه سريعا لكن صار العكس و أحس بالوقت يعانده لا تتحرك عقارب الساعة شعور بالنفور من المكان جعله يختنق و يجاهد بين الأجساد المتلاحمة من أجل الوصول إلى الخارج و بالفعل خرج ليسمح بكمية هواء ضخمة عبور رئتيه و أخذ يسير بالشوارع حتى جابته قدماه إلى هناك .. إلى المشفى تخبأ خلف الأشجار ملقيا نظرة نحو الحديقة التي تجلس بها دوما ليجد فراغ يحل المكان ذم شفتيه بعبوس و قد أحبطت نواياه
ظلت تحرك كتفيها بتراقص قاصدة غيظه فقبض على ذراعها بكفيه لتشهق بهلع من نظراته السوداء بينما جز هو على أسنانه بغل قائل
_ أعمل فيک إيه
_ ممكن تسيب إيدي .. عشان متعلق فيها الكانيولا !
خفف من قبضتيه تدريجيا و هو يحدق بذراعها بأسف فهتف بنبرة شبه نادمة لكن خبأها تحت نظرات جليدية
_ آسف ..
_ never mind ..
قالتها بغرور تطالعه من أعلاه لأسفله لتبتسم بعدها بمشاكسة و هي تقرص إحدى وجنتيه قائلة
ضحك مارد من أسلوبها و أزاح كفها عنه ليتساءل مغيرا محور الحديث
_ بتعملي إيه برا
نظرت حولها بإندهاش لترفع حاجب معقبة بإستنكار
_ أنا مش برا إنت اللي جوا !
حدق بالمكان حوله بغرابة و حاجبان معقودان ليهتف متسع العينان
_ لا و الله !!
_ آه و الله ! قالتها بنفس الأسلوب ..
_ و لو أنا أقف براحتي جوا و لا برا ..
الدور و الباقي بقى على اللي محپوس جوا و مش عارف يطلع ..
قالها بمغزى قاصدا غيظها فعقدت حاجبيها بعبوس و إستياء لكن سرعان ما ازالت تلك التعابير و بدلتها بإصرار و عزيمة قائلة بوجهه بقوة
_ بكرة أخرج و أحبسك بدالي يا حلو ما هي دايرة و بتلف على الكل عادي !
الفصل السابع
فراق الجسد أهون بكثير من فراق روح تخللت داخل قلب و تمددت
عاد من ذاكرته على صوت جهوري قوي اخترقه إنت بتعمل إيه عندك
انتفضت ملتويا لمصدر الصوت فوجدها والدة فجر تقف كالأسد و عيناها كالصقر تصوب نحوه سهام ثاقبة .. فحمحم مكانه بخشرجة و لا يعلم ماذا يقول فخرج صوته بتأتأة مهزوزة آ .. أ . أنا ..
_ جاي تشمت فيها بعد ما كسرتها جاي تشوف دنائتك و حقارتك عملت إيه في بنتي بعد ما كانت كلها حيوية و تفاؤل ياما حذرتها منك و نصحتها تبعد عنك ب
قاطعها مسرعا بالنفي صدقيني في سوء تفاهم في الموضوع !
هدأت و نظرت له جيدا لتستدير بعد أن قزفته بجملة إختتامية
_ إتفضل من هنا و مش عايزة أشوف خلقتك تاني .. تاني مرة هبلغ عليك الأمن مفهوم
تحركت بالفعل فاستوقفها قائلا بجمود
_ أنا تعبان .. قدامي عشرين يوم بس و هبقى في عداد المۏت عايزة بنتك تتعلق بواحد ھيموت و يسيبها كمان عشرين يوم
وقفت
الأم مكانها تحدق به بصلابة فجلس هو على المقاعد الحديدية التي تتوسط الممر مستكملا بهدوء و عيناه تنظران للأرض
_ أنا مش هنكر إني حبيتها .. حبيتها أكتر ما هي ماحبتني بكتير كانت شعلة الضوء اللي نورت حياتي من تاني .. كانت الحاجة الوحيدة اللي حسستني بفرحة بعد ما عشت خمستاشر سنة في كآبة و ضلمة مش بخرج منها ..
كان يتحدث بخفوت و مع كلمة يتذكرها بضحكتها الخلابة و يبتسم تلقائيا .. مسح على وجهه بحزن جثى فوق فؤاده فأصبح يختنق و يتنفس بضيق أكبر كأنه يكافح من أجل خروج كلماته بسلام دون أن ينهار فاسترسل بصوته المبحوح
_ أنا اللي متأذي أكتر منها أنا اللي محتاجها مش هي .. بس أنا كمان مجرب شعور خسارة حد غالي عليك شعور إنك تمسكي في حبل من حديد و تكتشفي إنه مصدي و دبلان يدوب و يسيبك تقعي إني أغيب و هي عارفة إني إتخليت أهون بكتير من إني أغيب بعد ما أعشمها بالحياه الوردية الجميلة غياب الجسم أهون بكتير من غياب الروح !
صمت و إكتفى بذلك ډفن وجهه بين كفيه متنهدا بقوة كبيرة .. شعر بملمس ناعم على ركبته تربت عليه بحنو أزاح كفه عن وجهه ليتفاجيء بها جالسة أمامه .. تناظره