ندوب الهوي بقلم ندا حسن
على بعد مسافة واحدة تظهر بشكل رائع عليها..
أمسكت بالحجاب ذو اللون الأبيض كما الحذاء المفتوح من الأمام قليلا وبه كعب صغير للغاية وضعت الحجاب على خصلاتها المغطاة بآخر أصغر منه وبدأت في لفة بهدوء لتستعد للخروج معه إلى عرس أحد أصدقائه من الحارة..
دلف هو من الخارج حيث كان في غرفة الصالون يقف في شرفتها يتحدث غير الهاتف نظر إليها نظرة شاملة من الأعلى إلى الأسفل والعكس مرة أخرى ليرى هيئتها البهية أمامه والتي جعلته يبتسم لرقتها وجمالها المعهود ولكن لم يعجبه شيء واحد وازعجه بشدة جعل عينيه الرمادية ينخفي بريقها اللامع تجاهها..
أكيد طبعا
أتى طلبه بهدوء شديد ومازال يقف كما هو ليقع عليها الاستغراب والاندهاش منه
غيري الدرس
وضعت يدها على يده الاثنين تبعدهم عنها لتلتف تنظر إليه وجها إلى وجه بعد ذلك الاستغراب الذي وقع عليها
ليه!. وحش
أشار بعينيه إلى ص در الفستان والذي ازعجه وبشدة وأطاح بعقله أيضا بسبب أنه محكم على مفاتنها يظهرها بوضوح لمن يراها به وهذا ليس بجيد أبدا وهي لا تفعل ذلك ولم يراها يوما ترتدي شيئا غير المحتشم الفضفاض ويعلم أيضا أن هذا جهاز العروس الجديد والذي ربما لم تختاره هي..
استدارت ونظرت إليه مرة أخرى قائلة بجدية وهدوء
عندك حق أنا ماخدتش بالي
نظر إليها برضا تام وأعتقد أنها ستعانده كما تفعل منذ يومين وابتسم بسعادة بالغة وهو يراها تذهب إلى الخزانة مرة أخرى لتخرج شيء غيره وترتديه..
لا تفضل أبدا الملابس الضيقة الكاشفة عن الجسد حتى وإن كانت تغطية يعلم بذلك منذ
وقت طويل وعلم أكثر منذ فترة قصيرة ترى نفسها وكأنها تعرض على الجميع شيء مجاني وعليه ذنوب تكتب لتكن بانتظارها وقت الحساب..
أردف جاد بنبرة رجولية خشنة تحمل داخلها الحنان الذي يشع من عينيه وكلماته
ربنا يخليكي ليا
وضع وهو يغمض عينيه الرمادية أخذا منها أقل بكثير مما يستحق ولكن له الصبر كما لها وعاجلا سيعترف بكل شيء إن كان هذا ما تريده..
تركها بعد لحظات لتأخذ أنفاسها الضائعة منها ونظرت إليه بشغف
اليوم التالي
مال جاد على الصندوق الأمامي لإحدى السيارات عنده بالورشة عاملا على تصليحها ووقف جواره طارق الذي استصعب عليه فعلها فاستعان ب المهندس الماهر الخاص بهم لحظات وارتفع جاد بوجهه المتعرق نظر إلى طارق وهتف بعملية شديدة
ابتسم الآخر ومد يده يأخذ منه المفتاح الذي أعطاه إليه جاد وتقدم بعد ذلك إلى ركن بعيد في الداخل به حوض غسيل وقف أمامه وفتح صنبور المياة وأخذ يغسل يده ثم أخذ حفنه كبيرة بين كفيه الكبيرين وألقاهم على وجهه مرتين متتاليتين وقف أمام الحوض ورفع عينيه إلى هذه المرآة الصغيرة المعلقة على الحائط..
ربما هو الآخر يحتاج إلى تصفية ذهنه مثلها والتفكير بهدوء ليستطيع فهم ما الذي سيفعله معها إنها تصعب عليه الأمور عندما تفعل ذلك معه تبتعد بنظراتها وحديثها يعلم أنه ليس بيدها بل يرى أنها تحاول أن تكن معه ولكن لا تفلح في فعل ذلك..
الذي جعله لا يتحدث ويعترف بحبه الذي مر عليه أربع أعوام هي! هي من جعلته يكتم ذلك داخله بسؤالها المستمر عن لما أتى لخطبتها واعتقادها الدائم أنه فعل ذلك لينقذها من مسعد والتخمين الأكبر لديها أنه ليرضي والده!.. غبية ألا تعلم أن والده لم يكن راضي!..
لو تثبت إليه ثقتها به لو تثبت إليه أنها تريده لا يريدها أن تتحدث..
وقف عند تلك النقطة وعاد يلقي المياة إلى وجهه ثم رفع عينيه إلى المرآة مرة أخرى وناقض حديثه السابق لأنه داخله يعلم أنها تريده.. نظراتها وحديثها وسؤالها الدائم عن رضاه عن هذه الزيجة..
كل شيء تفعله يقول أنها تريده وتحبه أيضا لن ينكر أنه قرأ هذا في عينيها كثير من المرات والأكثر عندما يرى خيباتها وحزنها وهو يراوغ في الحديث..
سيبادر سيتحدث في أقرب وقت وسيقول كم يحبها ومنذ متى أيضا ولكن سينتظر إلى أن تعود كما كانت في بداية زواجهم لأنه يعرف إن تحدث الآن ستقول أنه يشفق عليها ولا يريدها حزينة لأنه على أخلاق عالية ويريد الإهتمام بزوجته كما أمره الرسول الكريم ص أو ستقول أنه لا يريد أن ېخرب حياتهم وهي في البداية لذا يتحدث هكذا أنه يعلم كيف ستفكر لذا عليه بالانتظار قليلا وسيقول كل شيء لينال حبها وعشقها له لينال كل شيء منها دون شك يتبادلونه في تلك الأفعال...
أبتعد جاد عن الحوض بعد أن ارتسمت بسمة صغيرة على محياه جعلته وسيم إلى أبعد حد وهو بذلك البنطال الرمادي الضيق وهذا القميص الأبيض الداخلي الذي يبرز عضلات صدره وجسده الرياضي الضخم مع طوله الفارع الذي لا يتناسب معها أبدا بقصر قامتها..
ذهب إلى الأمام ليقف جوارهم ثم استمع إلى صوت ابن عمه المرح قريبا منه ورآه يدلف إلى الورشة بسعادة أصبحت ترافقه دائما ولما لا فقد أخبره جاد بموافقة عروسه والذي أخبرته بها زوجته شقيقتها..
أقترب منه جاد على باب الورشة وصاح بمرح ومزاح وهو يغمز إليه بعينه فاردا ذراعه إليه والجميع يستمع ويشاهد داخل الورشة
هو فيه ايه بقى يا ابن أبو الدهب أنت معندكش شغل ولا ايه كل شوية تنط هنا وسايب شغلك ومحلات أبوك وأبويا... الله
أفتكر أنك كنت كده في يوم من الأيام ولم دورك علشان مفضحكش
ارتفع صوته وهو يبتعد عن جاد إلى الداخل ويقول بشغف ظهر عليه ونبرة لعوب تخللت به
مشتاق يسطا جاد واللي زيك مايعرفش الاشتياق ما أصلها خلاص جبرت معاك
تهكم عليه جاد وهو يبتعد إلى الخارج ضاحكا بقوة
مشتاق لمين بالظبط! طارق ولا حمادة.. أصل دخلتك عليهم دي مش سليمة.. ولا يكونش عبده
نظر إليه بغيظ وضيق ظهر على ملامحه وقال بسخرية
دي أشكال يتبصلها يسطا جاد.. دا ربنا يكون في عون كل واحدة هتتجوز واحد من دول
تابع حديثه وهو ينظر إليهم واحدا تلو الآخر
ما تفك ياض منك ليه انتوا مالكوا زي اللي مايتلكم مېت
ضحكوا عليه بينما يتابعون عملهم يعلمون من هو سمير هو دائما هكذا يأتي إلى هنا ليوزع عليهم الابتسامات ويمطر مطر صناعي يحمل إليهم السعادة..
هتف جاد من الخارج وهو يجلس على أحد المقاعد أمام الورشة
تعالى ياعم أقعد وسيبهم شغالين
تركهم سمير وذهب إلى جاد الذي صاح مرة أخرى بصوت عال إلى عيسى العامل بالمقهى الشعبي على الناحية الأخرى جوار منزل والده وبينهم منزلين وشارع متفرع
خمسة شاي يا عيسى
استدار سمير بجذعه العلوي بعدما جلس على المقعد جوار جاد وهتف بسخرية إليهم
ابسطوا عطف عليكم أخيرا بشاي أهو
كاد أن يأتي الرد من جاد ولكن قاطعه أبغض شخص على قلبه أبغض شخص يريد العقاپ على كثير مما فعله ولكنه لا يستطيع فعلها ولن يفعلها فهو
إذا وضعه بين يديه سيخرج چثة هامدة..
ما تخليهم سته شاي يسطا جاد ولا أنت بخيل زي ما بيقول ابن عمك
وضع جاد قدم فوق الأخرى وظهر جسده الضخم وبنيته القوية أمامه ثم أردف بسخرية
آه بخيل وبخيل أوي كمان
نظر إليه مسعد بخبث وأردف قائلا بمكر محاولا العبث معه
تؤ تؤ لازم تحاول تبقي سخي شوية علشان اللي جاي في السكة
رفع جاد رماديتيه عليه بتركيز بعد أن بادل ابن عمه النظرات الضاحكة
اللي جاي محتاج كتير ولا ايه
أومأ إليه بتأكيد وثقة وهو يعتدل في وقفته
اومال.. كتير أوي كمان
أردف سمير هذه المرة بسخرية وتهكم واضح ونبرة لعوب مضحكة ليستفزه
وده يطلع ايه بقى إن شاء الله ياعمي مسعد.. معلش بس أصلك كبير عليا لازم احترمك
تضايق بشدة من حديث هذا الأبلة ولكنه أخذ نفسا عميقا ونظر إلى جاد بتمعن يريد أن يرى أثر القنبلة التي سيلقيها عليه الآن نظر إلى الأعلى وهو يعلم أنها تقف تنظر عليهم أعاد نظرة إليه وقال بوقاحة
بتسألوا كأنكم مش عارفين.. هي مش برنسس الحارة هتجيب نونو قريب ولا ايه.. اوعى تكون معملتش الواجب معاها تبقى عيبه في حقنا
وقف جاد فجأة عن المقعد بحدة وصدره يتضاخم بقوة وكأن النيران الذي أشعلها مسعد بحديثه ستخرج إليهم الآن وستحرقه وحده وقف سمير سريعا يقبض على يده حتى لا يفعل شيء يندم عليه..
وكان جاد داخله مقرر أنه لن يفعل شيء لن يعطي فرصة لأهل الحارة بالحديث عنه وعن زوجته وهناك رجل بالمنتصف يشوه صورتها ويجعل الجميع يتحدث عنها..
ضغط على أسنانه بحدة وعصبية شديدة ظهرت عليه وهو يتقدم منه ليقف لا يفصل بينهم شيء وهتف بجدية تامة وحدة
وقسما بالله أنا خاېف عليك مني أنت فاهم إني سايبك طايح كده ليه.. ده علشان أنا لو مسكتك ھفعصك زي الصرصار تحت رجلي ومش هيبقالك عندي ديه.. وعيالك يتشردوا ومرتاتك يترملوا وأخد أنا ذنب واحد ۏسخ زيك وربنا يحاسبني عليه وهو أصلا ميسواش
رآه يقف ولم يبدي أي ردة فعل سوى أنه ابتسم لجعله يثور هكذا عليه وهو بطبعه هادئ لا يغضب سريعا وهنا جاد قرر اللعب به ويجعله يبتسم أكثر ولكن على طريقته
صحيح.. هو أنت لسه معرفتش مين اللي كسر المحل وكسر مناخيرك معاه
أجابه سمير وهو يضحك بقوة والسخرية تهبط من حديثه أمامه وهو يهينه بهذه الطريقة
دول بيقولوا يا ابن عمي أنها خبطة جامدة أوي.. زي ما يكون حد بيحبه وكان عايز يجامله بس حسبها غلط
ابتسم جاد وهو يبادل ابن عمه الضحكات القوية ثم نظر إلى مسعد الذي يقف على جمر مشتعل أسفله جلس مرة أخرى ووضع قدم فوق الأخرى كما السابق وأردف مجيبا
إياه
زينا كده يعني... عايزين نجاملك تاني بس المرة دي هتبقى الحسبة مية المية
وجدوا أن عيسى يتقدم بصينية الشاي فأردف قائلا بجدية وهو يشير إلى الداخل بعد أن وضع على الأرضية كوبين من الشاي
دخل دول للرجالة جوا
أكمل بسخرية وتهكم وهو ينظر إلى ذلك الغبي الذي يقف أمامه
ابقى خد عمك مسعد في إيدك وصله أصله ياعيني كبر وخرف ومش عارف يوصل محله
نظر إليه بقوة وكره شديد وظهرت الغيرة والحقد بعينيه من كونه